في هذه الحلقة أكلمكم عن محمد يونس.
هل سمعتم عنه؟
العظماء
هناك أناس تركوا بصمات واضحة في العالم الذي نعيشه اليوم..
ربما تكون قد سمعت عنهم.. وربما لا تعرفهم.. إلا أنهم عظماء, يستحقون أن نعرفهم ونتعلم الكثير عن حياتهم.
منهم بطل حلقتنا اليوم.
تأمل عيني هذا الرجل اللتان تشعان بالإنسانية..
هذا الرجل ولد في بنجلاديش.. درس الاقتصاد وتفوق في دراسته.. لذلك حصل على منحة كي يكمل دراسته في جامعة (كلورادو) الأمريكية.
عاد (محمد يونس) إلى وطنه.. كي يصبح أستاذاً جامعياً مرموقاً.
وماذا بعد؟
في أحوال كثيرة, تنتهي القصة عند هذا الحد.. فماذا بعد أن تصبح غنياً وفي مكانة اجتماعية مرموقة؟
إلا أن هذا لم يكن حلم محمد يونس.. فقد كان له حلم نبيل, يعكس روح هذا الإنسان الراقية.
كان محمد يونس دائما يفكر.. مادام هو أستاذاً في الاقتصاد.. كيف يكون هناك فقر في بلاده؟
كان هذا الرجل العظيم يحلم, بأن يقضي على الفقر!
نصير الفقراء
كانت هناك مجاعة قاسية اجتاحت شمال بنجلاديش.. رأى الرجل بعينيه الناس وهم يموتون جوعاً.. وفكر:
- ما الذي يمكنني أن أقدمه لهم؟
"تقديم معونات البطالة ليس أفضل طريقة لمواجهة الفقر.. فالفقراء القادرون على العمل لا يريدون ولا يحتاجون الصدقة.. لأنها تزيد من تعاستهم وتجردهم من الدافع.. والأهم: من احترام النفس!" محمد يونس |
لاحظ الرجل أن الفقراء قد يعملون ويجتهدون.. دون أن يحصلوا على أي شيء..
فكيف يساعدهم؟
على أرض الواقع
كان محمد يونس يأخذ طلابه إلى قرية (جوبرا) الفقيرة جدا.. وهناك كان يسألهم:
- كيف يمكن أن نحل مشكلة هؤلاء الناس؟
كان يحاول أن يقرب بين العلم وأرض الواقع.. فنظريات الاقتصاد لم تكن
بالنسبة له, مجرد دروس يلقيها على الطلبة كي يحصل على مرتب أستاذ جامعة..
بل كانت أساليب يجب عليه استخدامها لمساعدة بلاده.
وهناك طبق أفكاره.
الفكرة الأولى
1- لاحظ أن الفلاحين يزرعون نوعاً من الأرز منخفض الإنتاج.. بينما
هناك نوع آخر يزرع في الفلبين, يعطي إنتاجاً أعلى.. فلماذا لا يقنع
الفلاحين بزراعته؟
تعجب الفلاحون من هذا الرجل القادم من
الجامعة.. والذي يقدم لهم النصائح, التي تختلف عن كل ما تعلموه من
آبائهم.. كيف يقنعهم بزراعة نوع جديد لا يعرفونه؟
إلا أن صدق هذا الرجل أقنع هؤلاء القوم.. لم يكن يريد أي مقابل.. لكنه كان
يسدي النصح من أجلهم هم.. وعرض عليهم أن يعلمهم أساليب الزراعة الجديدة
وأنه سيكون دوماً بجوارهم.
لذلك اقتنعوا.
وفعلاً زاد الإنتاج..
لكن.. لم تتحسن أحوال الفلاحين كثيراً!
فكر محمد يونس في الأسباب..
راح يسأل الفلاحين ويدرس ويحلل أسباب الفقر في هذه القرية..
إلى أن عرف السبب.
المحصول يحصل عليه صاحب الأرض وليس الفلاح.. فما العمل؟
الفكرة الثانية
2- أنشأ محمد يونس شركة خيرية:
يساهم الفلاحون بالمجهود- والملّاك بالأراضي- ومحمد يونس بالبذور والسماد.
وفي النهاية يحصل كل منهم على ثلث المحصول.. بس كده!
لماذا يفعل محمد يونس كل هذا؟
لأن مساعدة الآخرين, جزء من إنسانيتنا والهدف من وجودنا على هذه الأرض..
هذا هو السر الذي عرفه محمد يونس, وكرس حياته من أجله.
الفكرة الثالثة
3- لاحظ محمد يونس أن هذا المشروع, يفيد الفلاحين فقط.. فماذا عن العمال؟
رأى امرأة فقيرة, تصنع كرسياً من الخيزران.. وتبيعه في آخر اليوم.
هذه المرأة تتعب في عملها, وعلى الرغم من هذا تحصل على قروش قليلة (حوالي 15 قرشاً فقط!).. فكيف يمكن مساعدتها؟
من المفروض أن تشتري الخيزران بالجملة -مثلا- كي توفر أكثر فتربح أكثر.. لكنها لا تملك المال لتشتري بالجملة.
ولا توجد جهة من الممكن أن تقرض هذه المرأة الفقيرة.. فهل من المفروض أن
تظل تعمل في مهنة متواضعة مرهقة إلى أن تكبر في السن؛ فتتسول؟
وهنا ولد مشروع (محمد يونس) الجديد:
بنك جرامين!
هدف
هذا البنك هو إقراض الفقراء قروضاً صغيرة, كي تساعدهم على تخطي ظروفهم
الصعبة ومساعدتهم على إنشاء مشاريعهم الصغيرة, كي يتخلصوا من الفقر..
وهنا.. نجح محمد يونس لأول مرة بشكل ملموس.. في القضاء على عدوه اللدود: الفقر.
نجحت الفكرة.. ونجح هذا البنك الخيري.. نجح إلى درجة أن الفكرة تم تطبيقها في كثير من دول العالم..
نجحت.. إلى درجة أن محمد يونس, حصل على جائزة نوبل في السلام عام 2006
جائزة نوبل للسلام 2006
من المهم أن يكون لكل منا هدف.. وما أروع أن يكون هذا الهدف نبيلاً.
ساعد نفسك ثم الآخرين
لاحظ أن أول طريق مساعدة الآخرين, هو مساعدة نفسك أنت.. فلو كنت ناجحاً, ستكون أكثر تأثيراً..
ولو كنت غنياً سيكون تأثيرك أكبر..
لقد نجح محمد يونس في أن يكون أستاذاً جامعياً, وقتها استطاع أن يبدأ في تحقيق حلمه.
خسر هذا الرجل الكثير في سبيل تحقيق هذا الحلم.. خسر زوجته الأولى, التي
لم تقتنع بأن تعيش في بنجلاديش مع زوجها الذي يتجول بين القرى الفقيرة..
وفضلت أن تنفصل عنه وتعود إلى أمريكا.
متحف نوبل
قابل محمد يونس زوجته الثانية (أفروزي), الزوجة التي آمنت برسالته وقررت أن تساعده إلى آخر لحظة..
خسر هذا الرجل كثيراً.. إلا أنه كسب الكثير جداً..
كسب أنه أنقذ حياة آلاف البشر.. وترك بصمة مضيئة في عالمنا الذي نعيش فيه اليوم.
لذلك عرفتكم به.. فمن المحزن ألا يكون هؤلاء العظماء معروفين بيننا.
تأمل سعادته وهو يساعد الفقراء..
أوباما يقلد محمد يونس ميدالية الحرية (أغسطس 2009)
هناك الآلاف من محمد يونس في بلادنا.. إلا أن الأضواء ليست مسلطة عليهم..
ربما أعرفكم على هذه النماذج المضيئة في حلقة قادمة.
وإلى أن نلتقي تذكروا
إننا نعيش في هذه الدنيا مرة واحدة فقط.. فلماذا لا تكون أروع حياة ممكنة